الشيخ الدكتور/ محمد حسن عبد الغفار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب الاختلاف (الجزء الأول ) | الشيخ/ مسفر الدميني رحمه الله

اذهب الى الأسفل

أدب الاختلاف (الجزء الأول ) | الشيخ/ مسفر الدميني رحمه الله Empty أدب الاختلاف (الجزء الأول ) | الشيخ/ مسفر الدميني رحمه الله

مُساهمة من طرف Admin الجمعة 21 أغسطس 2015 - 23:51


أدب الاختلاف :
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد .
أحببت بعد انقطاع عن المشاركة في الموقع – مع متابعة شبه يومية له – أن تكون أولى مشاركاتي عن قضية مهمة ، نعاني منها كثيراً في مجتمعنا ، كما نعاني منها في موقعنا هذا ، ألا وهي قضية أدب الاختلاف بين المتنازِعِين والمختلفِين عموماً .
نعلم أن الله تعالى خلق الناس على الفطرة السليمة ، وجعل لكل منهم ما يتميز به عن غيره ، ولذا تجدهم يتفاوتون في العقل والفهم ، والحفظ والقدرة ، كما يتميزون في الخلق والهيئة ، والشكل واللون ، ويتميزون أيضاً في الأسلوب واللسان والكلمة ، كما جعل الله سبحانه وتعالى لكل واحد منهم عقلاً ، وأعطاه قدرة على تمييز الخير من الشر ، فترى لكل منهم عقله وفهمه ، كما له رأيه وأسلوبه ، وتراهم وإن تشابهوا في شيء من ذلك لكنهم لا يتشابهون في كل شيء ، وما يختلفون فيه أكثر مما يتفقون.
كما أرسل إليهم سبحانه وتعالى رسله ، وأنزل إليهم كتبه ، وكان محمدٌ صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ، أرسله بالحنيفية السمحة ، وأنزل إليه الكتاب الكريم ، وتوكل سبحانه وتعالى بحفظه عن التغيير والتبديل ، وأوكل إليه بيانه بسنته القولية والعملية ، واختار له من الأصحاب خير الخلق ، فكانوا معه يتبعون أثره ، ويلتزمون أوامره ونواهيه ، وينصرونه بأموالهم وأنفسهم ، ويحفظون دينه وينشرونه بين الناس في حياته وبعد مماته ، وقد وقع بينهم الاختلاف في فهم شيء من نصوصه وتطبيقها - وهو بين أظهرهم - كما فات بعضهم شيءٌ من أحكام الدين لم يسمعوها منه صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغتهم قبلوها وأخذوا بها ، وربما قالوا أو حكموا – قبل بلوغها إليهم – بخلافها ، فما أن سمعوها حتى أذعنوا لها ، وتركوا ما قضوا به بخلافها ، وكذلك السلف الصالح ، والأئمة المجتهدون ، والعلماء العارفون ، استنبطوا من تلك النصوص أحكاماً ، وفهموا منها أفهاماً متفاوتة ، وقالوا أقوالاً مختلفة بحسب ما بلغهم من النصوص ، وبحسب ما فهموه منها ، وقد يرد في المسألة المطروحة نصان ظاهرهما التعارض والاختلاف ، فيأخذ كل واحد منهم بأحد النصين ويدع الآخر لسبب معين ، ولذا لا يترك أحدٌ منهم نصاً إلا وله حجة وعذر في ذلك .
ولا يزال الناس يؤخذ من أقوالهم ويترك حتى قيام الساعة ، بل إن العالم قد يقول القول اليوم ويرجع عنه غداً ، وربما قال أحدهم في مسألة أو شخص قولاً أو رأياً ، أو مدحاً أو قدحاً ، وقد يتغير رأيه بعد ، وقد لا يوافقه عليه غيره من الأئمة ، وكلٌ منهم يقول بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده في ذلك ، وربما ردّ عليهم قولهم ورأيهم – لكنهم غالباً – كانوا يلتزمون الآداب الإسلامية في النقد والرد والمناقشة ، وتراهم يتورعون أن يتكلموا فيما ليس لهم به علم .
هذه مقدمات بين يدي حديثي في هذا الموضوع أحببت أن أوضحها حتى نكون على بينة فيما نقول ونعمل ، وأننا وإن اختلفنا في شيء من الأقوال والآراء فلنا في ذلك سلف ، لكن علينا أن نتأدب بآداب الإسلام في الاختلاف والاتفاق ، وفيما نأخذ وندع ، وأن نتقي الله فنترك المراء المذموم ، فما كان من حق قبلناه ، وما كان من خطأ بيناه بدليله – أعني دليل الخطأ – فمن بلغه الصواب بدليله وجب عليه أن يرجع عنه ، وإن بقيت له شبهة في الفهم والاقتناع فهذا بينه وبين الله تعالى ، لسنا نحاسبه على رأيه وقوله بل الله حسيبه ورقيبه ، وليس علينا إلا البلاغ والبيان - كما هي مهمة الرسل – فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها ، نسأل الله تعالى السداد والتوفيق .
مسائل ، الأولى : المجتهد مأجور وإن أخطأ .
الاختلاف بين الناس في فهم النصوص الشرعية أمر طبيعي ، وهو واقع بين السلف والخلف ، لكن النية الخالصة لله في طلب الحق هي التي تعصم الإنسان من الإثم عند الخطأ في اجتهاده وعمله ، فما دام قد استفرغ وسعه وجهده في طلب الحق لكنه لم يصبه فلا إثم عليه ، وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته بل وفي حضرته ، ومع ذلك لم يعنف أحداً من المختلفين ، وربما لم يبين في كثير من تلك القضايا الصواب مع أي الفريقين منهم ، ومن هذا نعلم أن النية الطيبة الخالصة لله كانت حاضرة في نفوس الفريقين ، وعدم تعنيفه أو تخطئته صلى الله عليه وسلم لأحد الفريقين يشعر بأن الأمر يسير في تلك القضية وأشباهها ، بخلاف مسائل أخرى أخطأ فيها بعضهم فبادر ببيان الخطأ ممن وقع منه ، وحتى يكون كلامي السابق مقبولا من الناظر فيه أسوق مثالاً على ما ذكرته :
ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ : لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ .
وفي بيان هذا يقول السُّهَيْلِيُّ وَغَيْره: فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفِقْه :
أَنَّهُ لَا يُعَاب عَلَى مِنْ أَخَذ بِظَاهِرِ حَدِيث أَوْ آيَة .
وَلَا عَلَى مِنْ اِسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصّ مَعْنَى يُخَصّصْهُ .
وَفِيهِ أَنَّ كُلّ مُخْتَلِفَيْن فِي الْفُرُوع مِنْ الْمُجْتَهِدَيْن مُصِيب ، قَالَ : فَكُلّ مُجْتَهِد وَافَقَ اِجْتِهَاده وَجْهًا مِنْ التَّأْوِيل فَهُوَ مُصِيب اِنْتَهَى .
وما قاله من أن كل مُجْتَهِد مُصِيب خلاف قول الْجُمْهُور الذين ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُصِيب فِي الْقَطْعِيَّات وَاحِد .
والذي يهمنا هنا أن نعلم هذا الاختلاف بين أفهام الصحابة ، وهم عربٌ أقحاحٌ ، وقد سمعوا جميعاً ، في وقت واحد أمرَه صلى الله عليه وسلم لهم بأن لا يصلوا العصر – أو الظهر كما في بعض الروايات – ومع ذلك فقد طبّقه كلٌ منهم على فهمه الذي فهمه منه ، وبالتالي لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لم يبين أي الطائفتين هي المصيبة .
قال النووي : فَأَخَذَ بَعْض الصَّحَابَة بِهَذَا الْمَفْهُوم ( يعني الْمُبَادَرَة بِالذَّهَابِ إِلَيْهِمْ , وَأَلَّا يُشْتَغَل عَنْهُ بِشَيْءٍ ) نَاظَرًا إِلَى الْمَعْنَى لَا إِلَى اللَّفْظ , فَصَلَّوْا حِين خَافُوا فَوْت الْوَقْت , وَأَخَذَ آخَرُونَ بِظَاهِرِ اللَّفْظ وَحَقِيقَته فَأَخَّرُوهَا , وَلَمْ يُعَنِّف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ , لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ , فَفِيهِ :
دَلَالَة لِمَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ وَالْقِيَاس ,
وَمُرَاعَاة الْمَعْنَى ,
وَلِمَنْ يَقُول بِالظَّاهِرِ أَيْضًا .
وَفِيهِ : أَنَّهُ لَا يُعَنَّف الْمُجْتَهِد فِيمَا فَعَلَهُ بِاجْتِهَادِهِ إِذَا بَذَلَ وُسْعه فِي الِاجْتِهَاد .

Admin
Admin

المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 21/08/2015

https://abdelghafar.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى